شباب البصره

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى يهتم بكل ماهو يخص الشباب وكل شيء من الحياه


    الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - لمايك لي

    avatar
    ????
    زائر


    الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - لمايك لي Empty الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - لمايك لي

    مُساهمة  ???? السبت أغسطس 21, 2010 6:15 am

    لندن / قبل الحديث عن التفاصيل الفكرية والفنية للفيلم لا بد من إحاطة القارئ الكريم علماً بأسلوب المخرج البريطاني مايك لي وتقنياته التي يعتمدها في أغلب أفلامه السينمائية. ولا بد من الإشارة الى أن مايك لي بدأ حياته ممثلاً في فرقة شكسبير الملكية. ثم إنتقل الى الإخراج المسرحي والتلفزيوني قبل أن ينقطع كلية الى الإخراج السينمائي. وغالباً ما يقارن مايك لي بالمخرج كين لوج وذلك لتبنيهما أسلوب " الواقعية الإجتماعية " الذي كان سائداً في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وكلاهما كان يركز على " الحياة اليومية " ويرصد تفاصيلها الدقيقة. إذاَ، يمكن القول إن الطبقات الدنيا في المجتمع البريطاني كانت بمثابة المختبر الذي يحلل فيه مايك لي الشخصية البريطانية وما تعانيه من مشكلات جدية في حياتها اليومية التي لا تخلُ من مظاهر الفقر واليأس والضياع الروحي. ولعل الصفة الأساسية التي تميّز مايك لي عن غيره من المخرجين البريطانيين هو اعتماده على الإرتجال والعمل العفوي الذي يفضي الى المصداقية في نهاية المطاف. ففي العديد من أفلامه كان مايك يبدأ عمله من دون سيناريو، كما هو الحال في فيلم " فيرا دريك " مدار بحثنا ودراستنا، كي يتيح للممثلين أن يرتجلوا أدوراهم، ويضيفوا لها من عندياتهم الشيء الكثير، خصوصاً وأن موضوعاته وأفكاره غالباً ما تكون مستمدة من السياق الإجتماعي السائد بعيداً عن نزعة الغرابة والفنتزة والإشتطاط.
    الإجهاض
    لا تقتصر كلمة الإجهاض على إسقاط الأجنِّة حسب، وإنما تكشف بالمقابل عن عدد غير قليل من المشكلات التي كان يعاني منها المجتمع البريطاني في خمسينات القرن الماضي. فالإجهاض هو نتيجة مؤلمة وقاسية وغير قانونية لفعل تضطر إليه المرأة كي تتفادى مشكلة أكبر قد تفضي بها في أغلب الأحيان الى الموت أو تشويه السمعة وما الى ذلك. وللوقوف عند هذه العملية اللا إنسانية لا بد من متابعة تفاصبل الفيلم وأحداثه. منذ مفتتح الفيلم تطل علينا فيرا درَيك " إيميلدا ستونتون " كأم حنون، وحاضنة للجميع، زوجاً وأبناءً وأهلاً وجيراناً. وقد طفح هذا الحب الفطري فيها الى الدرجة التي باتت توزعه على النساء الأخريات اللواتي تصادفهن يومياً بمن فيهن بعض الفتيات والنساء الحوامل اللواتي حملت أرحامهن أجنة غير شرعية. إن من يدقق في هذا الفيلم يكتشف أن المخرج قد تعمد تسليط الأضواء على النساء " الآثمات " اللواتي إرتكبن الخطيئة بسبب بُعد أزواجهن الذين يعملون في مناطق نائية جداً. والبعض الآخر سقطن في فخ الغواية بإرادتهن أو رغماً عنهن. لا شك في أن المشاهد يتعاطف مع أم مثل فيرا دريك التي كرست كل حياتها من أجل بيتها وزوجها وأولادها وأمها الطاعنة في السن، وأكثر من ذلك فهي تعتني بجارتها المريضة. إن الفيلم يكشف عن طبيعة الحياة الأسرية الحميمة التي تعيشها هذه العائلة، كما أنه يسلط الضوء على عائلات أخرى ضمن الطبقتين العمالية والوسطى. تعمل إيثيل " أليكسي كيلي " ، ابنة فيرا في مصنع، فيما يعمل إبنها الثاني سِد " دانيال ميز " خياطاً للبذلات الرجالية. أما زوجها ستينليي " فيل ديفس " فيعمل ميكانيكياً للسيارات. أما الأم فيرا دريك، محور الأحداث جميعاً، فهي تعمل منظفة في بيوت الأثرياء والموسرين، وهذه المهنة معلنة ويعرفها الجميع في داخل الأسرة وخارجها، أما المهنة التي تمارسها في السر فهي الإجهاض أو إسقاط الاجنة بطريقة غير قانونية. وسوف تظل هذه المهنة الأخيرة سراً حتى إنعطافة الفيلم في مراحلة الأخيرة. وعلى رغم من أن عائلة فيرا لا تعيش حياة مترفة باذخة، إلا أنها أسرة مقتنعة، متماسكة، لا تعكر المشكلات الإقتصادية صفو حياتها اليومية الدافئة. هناك أيضاً شخصية ليلي " راث شين " التي تعمل في السوق السوداء، وتتاجر ببعض المواد الغذائية، وترتب بشكل سري لعمليات الإجهاض التي تقوم بها فيرا دريك من دون علم هذه الأخيرة. وتعزيراً لقضية الإجهاض التي يتمحور عليها الفيلم نشاهد نماذج متعددة للنساء والفتيات من بينهن سوزن " سالي هوكنز " التي أُغتصبت من قبل أحد الرجال، وأصبحت حاملاً، وطلبت من أحد أصدقائها أن يرتب لها موعداً مع الطبيب المتخصص في عمليات الإجهاض التي كانت غير قانونية في خمسينات القرن الماضي في إنكلترا. وقد تقاضى هذا الطبيب مبلغاً قدره " 100 " وهو مبلغ كبير يعادل الآن نحو " 2500 " جنيه إسترليني. ثمة عدد غير قليل من عمليات الإجهاض التي قامت بها السيدة فيرا، لكن المضاعفات التي تعرضت لها إحداهن دفعتها الى مراجعة الطبيب الذي إكتشف السبب بسرعة، وإتصل بالشرطة تاركاً لها أمر التحريات وحسم الموضوع بصيغة قانونية. تجدر الإشارة هنا الى أن مايك لي كان إبنا لطبيب، بينما كانت أمه قابلة، ولذلك فهو يعرف هذه التفاصيل عن كثب. وعوداً على موضوع الإرتجال فإن مايك لي كان يتبع طرقاً غير إعتيادية في إنجاز هذه الأفلام الواقعية التي تطفح برائحة الطبقات العمالية المتواضعة في المجتمع البريطاني. وكان مايك يفضل أيضاً أن تبحث الشخصيات نفسها عن طبيعة الأساليب التي سوف تلتجأ إليها فيما لو أنها عانت فعلاً من أية مشكلة. لذلك فقد إنهمك طاقم الفيلم كله في الحياة الشعبية البريطانية وطبيعة المشكلات التي يواجهها يومياً ومن بينها العلاقات السرية، والحب العابر، والإجهاض وما الى ذلك. وتأكيداً لثيمة الإرتجال لا بد من التنويه إلى أن المخرج لم يبح بفكرة الإجهاض إلا لإميلدا، فهي الممثلة الوحيدة التي كانت تعرف بتطورات الأحداث، وأن قصة الفيلم تتمحور حول فكرة الإجهاض، لأنها كانت تريد أن تمسك بمشاعر الممثلين الحقيقية بعيداً عن التصنع الزائف. وقد نجح المخرج فعلاً في تحقيق هدفه لأن دهشة الممثلين كانت كبيرة حقاً حينما شاهدوا عدداً من عناصر الشرطة السرية وهم يدهمون البيت الذي كان مكتظاً بعدد من الضيوف والأهل والأقارب. أراد المخرج في هذا الفيلم أن يكشف حجم التعاطف الذي أبدته معظم الشخصيات تجاه فيرا بإستثناء جويس، زوجة شقيق ستينلي التي تنتمي الى الطبقة المتوسطة. وقد نأت بنفسها عن هذه المشكلة وأعلنت تذمرها من تصرف فيرا وسلوكها الفطري الذي أفضى بها الى هذه المحنة الكبيرة التي تطعن في شرف المواطن البريطاني وقيمه الإجتماعية المتعارف عليها. هناك شخصية سوزن التي تنتمي الى الطبقة المتوسطة التي يمكنها أن تدفع أي مبلغ مادي مقابل عملية إجهاض سليمة لا مخاطر فيها. أما فيرا فقد كانت تعتقد أن ما تقوم به هو عمل صحيح الهدف منه مساعدة بعض النساء والفتيات اللواتي تورطن بالحمل أو ذهبن إليه بمحض إرادتهن. ولم تكن فيرا تتقاضى أي مبلغ مادي جراء المساعدة التي تقدمها، ولم تكن تشعر أن ما تقوم هو خطأ أو إثم أو عمل غير قانوني. والغريب في الأمر أنها كانت تحجب هذه المهنة عن زوجها وأفراد أسرتها والمقربين إليها، الأمر الذي فاقم عنصر الدهشة لديهم جميعاً حينما إقتادها الشرطة السريون الى مركز الشرطة ومنه الى المحكمة حيث صدرت بحقها عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة. ولولا الظروف المخففة للقضية لكانت عقوبة أطول بكثير مما تتوقعه فيرا نفسها. لا شك في أن حجم الخوف الذي كان مرتسماً على معالم فيراً، وصوتها الذي بدأ يتلاشى شيئاً فشيئاً هو الذي حقق درجة عالية من النجاح لهذا الفيلم الممتع في خوفه ورهبته وكسره للتابوهات الإجتماعية. كما أن درجة تماسك الزوج وتعاطفه مع زوجته هو الذي عزز بنية الفيلم ككل، كما منحه درجة عالية من التماسك والمصداقية والتشبث ببراءة هذه الزوجة النادرة التي كرست حياتها من أجل الأهل والناس المقربين لديها. تعرض الفيلم الى إنتقادات عديدة من بينها أن المنفاخ الذي كانت تستعمله فيرا لضخ السائل الصابوني الدافئ الى رحم المرأة الحامل كان يعتبر محرضاً للنساء الحوامل على الإجهاض وخصوصاً في البلدان التي تحرم الإجهاض. وقد وصفت هذه الأجهزة بأنها بدائية ومتخلفة وخطيرة. لم يقدم المخرج الشرطة السرية البريطانية وكأنهم مجرد أوغاد أو أنذال يحطون من قدر الضحية ويحقرونها أمام المجتمع، بل قدمهم كأناس حضاريين ومحتشمين يؤدون واجباتهم المناطة بهم على أكمل وجه. وبالفعل لم يحرج الشرطة الأم فيرا، ولا الأب ستينلي في أثناء الحفلة التي كانت الأسرة قد أقامتها لعدد من الضيوف، وإنما تكتموا على الأمر مصطحبين المتهمة الى مركز الشرطة بغية التحقيق معها بصيغة قانونية. فاز فيلم " فيرا دريك " بعدد من الجوائز من بينها أفضل ممثلة أسندت الى الفنانة إيميلدا ستونتون في مهرجان الفيلم الأوروبي عام 2004. كما فاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا للعام ذاته. وحاز على جوائز البافتا لأفضل مخرج، وأفضل ممثلة بدور رئيسي، ولأفضل تصميم أزياء لعام 2005.


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 16, 2024 2:17 pm